نور الايمان مشرفة عام
عدد الرسائل : 917 Personalized field : تاريخ التسجيل : 05/03/2008
| موضوع: تأملات تربوية في سورة مريم الإثنين 18 أبريل 2011, 03:58 | |
| تأملات تربوية في سورة مريم
(1)
هذه بداية تأملات تربوية في كتاب الله - تعالى -، ليس فيها من التفسير إلا ما يخدم الفكرة التربوية في القرآن الكريم، أجلّي فيها الأسلوب التربوي، وأشير إليه دون الخوض في المعاني إلا بما يناسب الهدف التربوي نفسه. وقد أشير إلى هدف بلاغيّ أو تعبير لغويّ أو توجيه نحوي يخدم الهدف التربوي الذي أريد تجليته....والله ولي التوفيق.
1- أسلوب التنبيه:
أساليب التنبيه في القرآن الكريم كثيرة كلما مررنا على واحد منها ذكرناه إن شاء الله - تعالى - في موقعه.. وهنا نجد السورة تبدأ مثل كثير من سور القرآن الكريم بالحروف المقطعة، ك. ه. ي. ع. ص. فالأول والرابع والخامس منها ممدودة والثاني والثالث غير ذلك، مما يشد انتباه السامع والقارئ على حد سواء بطريقتين مجتمعتين قبل البدء بقراءة الجمل والمعاني، هما " الحروف المبهمة " و " الأداء الموسيقي "
والمفسرون يوردون تفسير هذه الحروف منسوبة إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره، فالكاف " كريم " والهاء " هادٍ " والياء " قوي، ذو الأيدِ " والعين " عليم " والصاد " صادق الوعد ".... إن البدء بحروف متقطعة ذات جرس موسيقيّ مختلف يجعل المتلقي يرهف السمع، إليها لغرابتها فلا يضيع عليه ما بعدها.... ومن ناحية أخرى نجد المتلقي يتساءل في قرارة نفسه عن معناها وطريقة أدائها ليصل إلى تأويلات عدّة، منها: أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف وأخواتها، فإن استطعت أن تأتي بمثلها فافعل. وإلا ثبت أنها من لدن عليم خبير.
2- التأمل والتدبر:
إن كلمة " ذكر " في قوله - تعالى -" ذكر رحمة ربك عبدَه زكريا " توحي بأمور كثيرة يتفاعل بها المتلقي سامعاً وقارئاً. منها:
- إعمال الفكر، وتقليب المعاني في ذكر الله - تعالى -عبده الصالح زكريا، وسبب تخصيصه بهذا الفضل العظيم حين ذكره
- وأن التذكر ليس ضد النسيان دائماً، فالله - سبحانه وتعالى - منزه عن النقائص، والنسيان نقيصة. " لا يضل ربي ولا ينسى " " وما كان ربك نسيّا " " أحصاه الله ونسوه ". إنما التذكر هنا رفع لمقام زكريا - عليه السلام -، واستجابةٌ لدعوته، وخصُّه بالرحمة.
- وأن ذكر الله - عز وجل - يرفع مقام صاحبه في عليين " فاذكروني أذكرْكم " " ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأً ذكرته في ملأٍ خير من ملئه "...
- وانظر معي إلى هذا الربط الرائع بين النبيين الكريمين، فهما أخوان كريمان يستقيان من نبع واحد، ويستضيئان من مشكاة واحدة، فكلمة " ربك" خطاب لنبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - تدل على أعلى مراتب الإنسان: العبودية لله - تعالى -، فمادام اللهُ ربَّه فهو - عليه الصلاة والسلام - عبدُه. وزكريا - عليه الصلاة والسلام - عبده، فاجتمعا في هذه المكانة العلية. وبما أنهما مثال يُحتذى كانت الدعوة لنا من الله - تعالى -أن نكون من عباده.
3 - إغاثة الملهوف:
فزكريا - عليه السلام - لجأ إلى الله - تعالى -، واتجه إليه في دعائه وسأله من فضله، " إذ نادى ربه نداء خفيّا "، فأجابه الله إذ رحمه ووهبه غلاماً زكياً. وهذه لفتة كريمة تحض على مساعدة الآخرين وتقديم العون لهم إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
4 أدب الخطاب: ويتجلى ذلك في أمور عدّة:
أولها: التحبب: من أحب شيئاً أكثر من ذكره. وأنت حين تخاطب من تحب يتكرر اسمه على لسانك. فزكريا - عليه السلام - ذكر ربه خمس مرات في جمل قليلة: " رب إني وهن العظم مني " " ولم أكن بدعائك رب شقيا " " واجعله رب رضياً " " قال رب أنى يكون لي غلام.. " " قال رب اجعل لي آية ". وعلى هذا قبل الله - تعالى -ربوبيته لعبده زكريا حين قال - سبحانه -: " إذ نادى ربه نداء خفيّاً ".
ثانيها: النداء الخافت: فالله - تعالى -يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وحين سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً ينادي الله بصوت عالٍ، قال: له إنك لا تنادي أصمّ بل سميعا بصيراً. وحين سأله رجل: هل ربك قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ نزل قوله - تعالى -: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ.. ". " نداء خفياً ". لأنه معه، " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ".
ثالثها: التذلل إلى الله قبل الطلب: فقد عرض الحال بتسلسل منطقي، وأدب جم، فبدأ بذاته الداخلية " إني وهن العظم مني " ولم يقل وهن عظمي فكان صادقاً فليس كل عظمه واهناً وإلا لم يستطع الحركة، وإنما أراد أن يقول: إنه ضعف وشاخ. وثنّى بجزء منه لكنه الإطار الخارجي منه " واشتعل الرأس شيباً. فلئن كان شعره منه إلا أن بعضه خارج جسمه، أما العظم فمختلط بلحمه وشحمه. ثم التمس تقبل الدعاء وإجابة الرجاء مادحاً ربه: " ولم أكن بدعائك رب شقيّاً " فأنت يا رب سميع الدعاء، ولن تردني خائباً.
رابعها: الحرص عل الدعوة حين خاف على الدعوة إلى الله أن تضعف و لم يجد من حوله من يقوم بأدائها ويحمل عبئها، " وإني خفت الموالي من ورائي " فلا بد من خلف يكمل عمل السلف. وأمرأته عقيم " وكانت امرأتي عاقراً " فليس لي ذرية يتمون ما أمرتني بالقيام به.
خامسها: البوح بالطلب أن يرزقه الله ولداً صالحاً تقر به عينه حين يراه حاملاً أمانة الرسالة وهم الدعوة إلى الله - عز وجل - بين اليهود قساة القلوب. " فهب لي من لدنك وليّاً، وقد لا يكون الولد وليّاً. فالولي الذي يسير على هديك وخطاك، ويكمل ما بنيته، لا الذي يهدم ما تعبت في بنائه وإقامته. فهو لن يكون ولياً ولو كان من لحمك ودمك. وكم من شوكة تخلف وردة! " ما مهمته؟ " يرثني، ويرث من آل يعقوب "... وهنا نجد الدقة في بيان السبب: أن يرثه في كل شيء كان يقوم به، ويرث الصالحين من آل يعقوب في المهمة نفسها.
سادسها: أن يكمل المنة، فيجعله رضياً. وهنا نجد الأسلوب البلاغي الرائع في قوله - تعالى -" رضياً " فالغلام راض بما قسم الله له شاكر لله فضله، والله راض عنه مكمل عليه نعمته. فـ" رضيٌّ " أدت معنى اسمي الفاعل والمفعول معاً، ولن تكون " راضٍ " و" مرضِيٌّ " لتغني إحداهما عن الأخرى!.... وكم يتمنى الناس الذرية دون أن يقوموا بواجبهم في تربية النشء، ويهتمون بجني المال لأولادهم من حل وحرام، وقد كفل الله لهم الرزق، وكفاهم مؤونته ويتناسون أن الله أمرهم بحسن التربية، وسيحاسبهم على ذلك، أحسنوا أو أساءوا؟.
5- الإجابة السريعة: فإن استطعت أخي الحبيب أن تلبي أخاك فلا تتكاسل. إن الله - تعالى -أجاب عبده المطيع بسرعة فلا نجد حرف عطف ولا حرف استفهام، ولا الفعل " قال":... إنما قرأنا مباشرة: " يا زكريا، إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى، لم نجعل له من قبل سمياً ". وتجلت الإجابة السريعة بما يلي:
أولاً: النداء، ما إن نادى ربه حتى سمع نداء ربه: " يا زكريا " فعرف أنه المقصود لا سواه فأصاخ السمع، خافق القلب راغب الخير.
ثانياً: البشرى وهذا أسلوب رائع في طمأنة الفؤاد وإراحة النفس قبل زف البشرى نفسها. ولعل الإنسان يظل مستوفز الأعصاب لا يدري أيسمع بشرى أم إنذاراً حتى يقال له ما يُقال. لكنه حين يسمع كلمة البشرى قبل إلقائها ترتاح نفسه، ويكون أكثر وعياً لتلقّيها. ومما زاد في جمال البشرى أنها جاءت بعد التأكيد " إنا " والفعل المضارع الذي يسمعه، فثبت حصولها.
ثالثاً: تحقيق المطلوب: فهو غلام سيبلغ الحلم وتقر به العينان. وقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها محرراً وهي ترغب في الولد، ففوجئت بأنثى، خيبت في البدء أملها في الوفاء بالنذر فـ " قالت رب إني وضعتها أنثى " " وليس الذكر كالأنثى "، لكنها حزمت أمرها ووفت بنذرها. لكنه هنا ذكر يافع. وزاد في تمام الفضل أن الله سماه يحيى من فوق سبع سماوات. ولم يجعل له من قبل سمياً.
6- الضعف البشري: المخلوق ضعيف.. ضعيف مهما علا شأنه، ورسخ إيمانه. ولو كان نبياً إلا من عصمه الله - تعالى -. لكن أخطاء الأنبياء ليست كأخطاء الآخرين، إنما هي هَنات تدل على بشريتهم. لكنهم يظلون مثال الكمال الإنساني ومما يدل على ذلك في قصة سيدنا زكريا ما يلي:
أولاً: أنه ذكر ضعفه وهرمه، وعرف أن زوجته لا تنجب لسببين اثنين أحدهما شيخوختها، وثانيهما عقمها. ومع ذلك فأمله بالله أن يرزقهما ولداً صالحاً كبير... فلما أجاب الله سؤله تعجب من ذلك.
ثانياً: انه حين سأل الله - تعالى -الولد قدّم شيخوخته على عقم زوجته. وكأنه السبب الأول في عدم الإنجاب. فلما تعجب من البشرى نأى بنفسه أن يكون السبب الأول لعدم الإنجاب، فقدم زوجته عليه. وهنا نلحظ الرغبة في الكمال وتفضيل النفس على الآخرين.... ولعله تعجب أن تلد امرأة عقيم بلغت سن الشيخوخة، فنبهه المولى - سبحانه - أنه على كل شيء قدير، فقد خلقه من العدم.
7- تصحيح الخطأ مع التعليل: إذا ترك الإنسان لنفسه فقد يزل ويقع في المحظور، فإدراك العقل محدود، وفهمه قاصر، ولا بد من تصويب الأخطاء كي يبقى الصحيح فقط، فيتمثله القلب والعقل. مع التعليل لدواعٍ عديدة. منها: أن يكون الحكم واضحا بيناً، والدليل ساطعاً فينقطع الشك، وليكون الجواب شافياً. فلما تساءل زكريا - عليه السلام - عن إمكانية حمل زوجته، وبشرى الله لهما بالغلام قيل له: ".. كذلك قال ربك هو علي ّ هين، وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ".
فبين له أن الله - تعالى -خلقه من عدم. وهو - سبحانه - قادر على كل شيء.
8- الاستيثاق من الأمر: وهو أسلوب تربوي ذو فوائد جمة، منها: التأكد، والاطمئنان، والمتابعة. لكن الله هو الذي وعده بالغلام، فهل يطلب منه إثباتاً؟ ! وهو - سبحانه - إن شاء وهب، ويمنع إن شاء. فهل أخطأ زكريا حين سأل ربه العلامة فـ " قال رب اجعل لي آية "؟!
لو كان هذا السؤال من قبيل الشك فهو الكفر بعينه، وهو قلة الأدب ذاتها. لكنه نبي الله فوق الشبهات، وقد أرادها ليعلم وقت حدوثها. هذا من ناحية. ثم لا بد من الاطمئنان فهذه هي الطبيعة البشرية السوية. والدليل على ذلك ما قاله إبراهيم - عليه السلام - لربه: " رب أرني كيف تحيي الموتى! قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي " والقصة معروفة. كما أن قصة عزير تسير على هذا النسق حين قال وهو في طريقه إذ رأى القدس هدمها الآشوريون: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟! فأماته الله مئة عام ثم بعثه. قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً أو بعض يوم. قال: بل لبثت مئة عام.... "فلما رأى قدرة الله في بديع صنعه قال: " أعلم أن الله على كل شيئ قدير ". ومثله قول مريم: " أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر، ولم أك بغيّا " فهي تتساءل للتأكد والتثبت.
9- الدعوة إلى الله في كل الظروف: فإذا مرض الإنسان أو امتنع أن يقوم بواجبه المعتاد بالطريقة التي اعتادها لأمر طارئ اتخذ ذلك ذريعة للتفلت أو الراحة ومن حقه أن يرتاح فترة ليشحذ همته لكن النفس الطموح للنبي الكريم زكريا أبت أن تبتعد عن طريقها المرسوم. فحين حملت زوجته بيحيى و ما عاد يتكلم ثلاثة أيام كما أعلمه ربه بذلك لم يتوانَ عن دعوته، ولم يتخل عن مهمته، إنما التزم المحراب يصلي ويجتهد في عبادة ربه شاكراً فضله، معترفاً بنعمته عليه. وأوحى لأتباعه بالإشارة أن " سبحوا بكرة وعشيّاً "
10- اختيار زمان الذكر ومكانه: أما المكان فالمحراب لمقابلة المليك العظيم، فينبغي أن يكون أفضل مكان في البيت أو المسجد. والمحراب في العربية (صدر البيت، أو المسجد، وأشرف موضع فيه، ومجلس الملوك الذي ينفردون به عن العامة). وأما الزمان فالذي يدل على قدرة الله - عز وجل - في بديع صنعه، حين يتداخل الليل والنهار في الفجر والمغرب هذا التداخل بين الظلام والضياء، وبين الموت والحياة " وسبّح بالعشي والإبكار ".
11- الاهتمام بالجوهر والبعد عن الحشو: يختصر القرآن المسافات التي لا يغني ذكرها. فلم يحدثنا عن طفولة يحيى - عليه السلام -، إنما فاجأنا باللب والمراد من القصة، فإذا هو فتى ذكي الفؤاد قويّ العزيمة، ذو حكمة وفهم، يحمل رسالة ربه بكل ما أوتي من صبر واجتهاد.
12- بر الوالدين: ولن يرضى الله - تعالى -عن الإنسان ما لم يكن الوالدان راضيين عنه. ولن يستطيع حمل رسالة ربه ما لم يحمل في قلبه حباً لهما وتقديراً ووفاءً. ولهذا شمله الله - تعالى -بالسلام والطمأنينة يوم ولد، ويوم مات وبالسلام يوم القيامة والنجاة من النار في ذلك اليوم المهول. حين تبعث الخلائق، فمنهم شقيّ وسعيد....
(2)
الناظر في هذه السورة الكريمة يجدها تتحدث في التربية الأسرية. وعلاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض:
فالمقطع الأول بتحدث عن سيدنا زكريا وابنه يحيى - عليهما السلام -... وهمّ الدعوة، وحمل الأمانة، وبر الولد بأبويه.
والمقطع الثاني يتحدث عن العلاقة الحميمة بين الأم وولدها، الأم الطاهرة النقية مريم العذراء التي وهبت نفسها لدين الله ودعوته، والولد الصالح عيسى - عليه السلام - الذي دافع عن طهر أمه وشرفها، وحمل الدعوة إلى الله - عز وجل -.
والمقطع الثالث يتحدث عن الصدّيق إبراهيم - عليه السلام - الذي هداه الله إليه، وعلاقته بوالده حين دعا الولد أباه بأدب جم إلى عبادة الله الواحد، ثم اعتزله وقومه إذ أصروا على الكفر، وتحمل المشاق في سبيل الدعوة إلى ربه، فأكرمه الله - تعالى -بالذرية الصالحة التي رباها فأحسن تربيتها. فكان بذلك قدوة للعالمين جميعاً.
والمقطع الرابع يتحدث عن النبي العظيم موسى صاحب العزم القوي في الدعوة إلى الله، إذ أكرمه ربه فجعله مُخْلَصاً ورسولاً كريماً، ومنّ عليه في أخيه هارون فوهبه أعلى درجات الإنسان في الوصول إلى ربه " النبوة ". فكان موسى لهارون أكرم منّةٍ لأخ على أخيه مرّ الدهور وكرّ العصور.
والمقطع الخامس يتحدث عن دور رب الأسرة في تربية أهله زوجةً وأولاداً ومواليَ فهذا إسماعيل - عليه السلام - كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان عند ربه مرضياً بسبب تربيته إياهم. فكان قدوة لمن بعده في الاعتناء بالأسرة ووصلها بالله.. فمن كان بحبل الله موصولاً سعد وأُكرم، وحاز القبول.
فهلمّ إلى الروضة الغناء في رحاب العذراء البتول وابنها السيد الكريم عيسى - عليهما السلام -.
1- تقييد العلم: العلم في الصدور، وتقييده في السطور، وكلمة " اذكر في الكتاب " ترددت خمس مرات في هذه السورة الكريمة:
" واذكر في الكتاب مريم "
" واذكر في الكتاب إبراهيم "
" واذكر في الكتاب موسى "
" واذكر في الكتاب إسماعيل "
" واذكر في الكتاب إدريس "
والفائدة التربوية الأولى من كلمة " اذكر " العلم: فالعلم بالشيء ومعرفته أمر لا بد منه لأهل الدعوة (ففاقد الشيء لا يعطيه).
والفائدة الثانية الكتابة: إن تقييد العلم في كتاب يحفظه من الضياع، ويثبته في الذاكرة بين الحين والحين.
والفائدة الثالثة التعليم: وهذه رسالة الأنبياء والدعاة والمعلمين، لا ينبغي التفريط فيها، " فمن كتم علماً لجمه الله بلجام من نار".
2- شفافية التبتل إلى الله: من كان مع الله كان الله معه، ومن أخلص في عبادته اجتباه الله وأدناه. فقد انقطعت مريم عن اقرب الناس إليها وعن الدنيا، واجتهدت في التقرب إلى مولاها، فاستقلت عنهم بأدب جم دون أن تسيء إليهم " فانتبذت " منهم ولم يقل: " نبذتهم " ففي الأولى ابتعاد وانقطاع مع احترام وتوقير، وفي الثانية احتقار واستعلاء. فالانتباذ بالنفس، والنبذ للآخرين!... أرأيتم جمال التعبير؟!... إلى أين؟ " مكاناً شرقياً "... إلى مصدر النور عند إشراق الشمس. ومن كان قصده خالق النور والضياء احتجب عن الناس " فاتخذت من دونهم حجاباً".
3- الجزاء من جنس العمل: حين انقطعت إلى الله - تعالى -ورغبت فيما عنده ورجت رضاه لم يخيب أملها... وصلها حين وصلته. وقبلها حين قصدته. " وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني أعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه ". لقد أرسل إليها كبير الملائكة " جبريل " - عليه السلام -. ليكرمها بسيد من سادات البشر.
4- المنطقية في التعامل: لجبريل - عليه السلام - ست مئة جناح، كما ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام -. وكان يملأ السماء حين رآه النبي - عليه الصلاة والسلام - مرتين على هيئته التي خلقه الله - تعالى -عليها. فلو أنه دخل على مريم بهذه الهيئة لسقطت ميتة أو مغمىً عليها. فلم يكن تباسط، ولا حديث، ولما عرفت سبب دخوله عليها ولا ماهيته. إذاً دخل عليها على هيئة رجل " فتمثل لها بشراً سويّاً " لتفهم منه، فيخاطبها وتخاطبه.. وقد نبه المولى - سبحانه وتعالى - إلى المثليّة فقال رادّاً على الذين رغبوا أن يكون الرسول ملكاً حتى يؤمنوا به: " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا: أبعث الله بشراً رسولاً؟! قل: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم من السماء ملَكاً رسولاً".
5- الحوار: هو أسلوب راق في التربية، له فوائد كثيرة. منها:
1- أنك تسمع حديثاً فيه آراء وحجج يدلي بها المتحاورون، ليبرهن كل منهم على صواب ما يرتئيه.
2- إن الحوار يثري السامع والقارئ والرائي بأفكار تطرح أمامهم، بالحجة والبرهان، فيعتادون التفكير السليم والأسلوب القويم.
3- أن الحوار أثبت في النفس لأن السامع يُعمل أكثر من حاسّة في تفهّم أ بعاد الحوار ومراميه
وعلى هذا تعال معي إلى متابعة الحوار بين الملَك ومريم:
" قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنتَ تقيّاً "
" قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيّاً "
" قالت: أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر، ولم أكُ بغيّاً "
" قال: كذلك قال ربك: هو عليّ هين، ولنجعله آية للناس ورحمةً منّا،
وكان أمراً مَقضيّاً".
وفي هذا الحوار فوائد جمة، نذكر منها:
1- اللجوء إلى الله - تعالى -في الملمات، فهو حصن حصين وركن ركين.
2- الرجل التقي لا يقتحم مخادع النساء، وينأى بنفسه عن الشبهات.
3- لا بد من تعليل يبعد هذه الشبهات، ولو كان المشبوه به تقيّاً فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لرجلين رأياه مع صفية ليلاً: هذه أمكم صفية. كي لا يبوءا بالكفر حين يظنان السوء بنبيهم... فقال الملَك: لأهب لك غلاماً زكيّاً.
4- المرأة المسلمة الشريفة لا تزني، ولا يكون الحمل إلا بالزواج أو الزنا.
5- إذا أراد الله شيئاً قال له: كن فيكون. ومريم تعلم أن الله - تعالى -قادر على كل شيء لكنها أبدت تعجبها أن يختارها الله لهذا الشرف العظيم
6- توخي الحذر والستر: يعلمنا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - التستر. فيقول: إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا " ونعى القرآن تساهل اليهود في السكوت عن المنكر " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " ووبخ لوط - عليه السلام - قومه الذين استحلوا اللواط وجهروا به " إنكم لتأتون الفاحشة، ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل، وتأتون في ناديكم المنكر.. " اما الطاهرة العفيفة مريم فقد استترت في مكان قصي وهي لم تفعل المنكر، فكانت مثالاً للشرف المصون والفتاة التقية. حتى إنها تألمت ألماً شديداً، وتمنت أنها لم تخلق، ولم يعرفها أحد. بل لو كانت شيئا لا قيمة له.
7- الدعم والتأييد: إذا كلفت أحدهم بمهمة فلتكن قدر استطاعته " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " وإذا لم يستطع القيام بها لكونها فوق طاقته أو كانت ثقيلة فأعنه عليها، وسهّلْ له سبلها وهذا ما وجدناه في قصة مريم فقد:
- سمعت من يكلمها في وحدتها ويشد من أزرها.
- جرى إلى جانبها جدول ماء عذب شربت منه.
- هزت جذع النخلة فتساقط عليها رطب لذيذة سهلت الطلق والولادة.
- الامتناع عن إجابة المتطفلين.. فهي صائمة عن الكلام. ومن الذي سيتكفل بالإجابة؟ إنه ولدها الذي يدافع عنها بإذن الله. وسينطقه الله بما يبرئ أمه ويرفع قدرها بين الناس.
وعلى هذا استمدّت قوة وشجاعة، وعادت إلى قومها تحمل وليدها. وكان ما كان من أمر الناس، وحق لهم أن يسألوها، فهي ابنة سيدهم المعروف بدينه وخلقه وأمها مثال الصون والعفاف، كما أنهم يعرفونها شديدة التدين مشهورة بالعفة والطهارة.
8- الرد المفحم: قد يكون الإنسان صاحب حق، إلا أنه عيي أو أحمق أو غبي ساذج لا يعرف كيف يستخرج حقه أو يحتفظ به أو يدافع عنه، فيضيع منه كلّه أو جلّه، وقد يكون أحدهم مبطلاً لكن لسانه طليق وحجته حاضرة وأساليبه ذكية، فيسلب حق غيره ويحتال على الضعفاء فيغمطهم نصيبهم.
لكن الله - تعالى -لقّن الوليد حجته، فكان قوله الفصل وبيانه الفصل
أولاً: عرّف بنفسه. فهو عبد الله. ومن أعلن عبوديته لله فقد عرف ربه وهذه أسمى المراتب
ثانياً: ومن كان عبداً لله - تعالى -فتح عليه ينابيع العلم وكنوز المعرفة، وآفاق الحكمة.
ثالثاً: ثم خصه الله بمرتبة النبوة الكريمة، وهذه قمة الإنعام والفضل.
رابعاً: أفاض عليه الخيرات والبركات، فكان مع الله قلباً وقالباً في حله وترحاله، ونومه ويقظته،
خامساً: وأوصاه أن لا يفتر عن ذكر الله وأن يكثر من الصلاة وهي الصلة بالله والزكاة الإحسان إلى عباد الله وكأنه - سبحانه - يقول: عبدي أحسنت إليك فأحسن إلى عبادي، وأحب عباد الله إليه أنفعهم لعياله.
سادساً: والأقربون أولى بالمعروف. وفضل الأم لا يدانى. وقد قرن الله - تعالى - عبادته بالإحسان إلى الوالدين. ثم يكتمل الإحسان بتعميمه على الناس أجمعين.
سابعاً: ويتوج ذلك كله بسلام الله عليه في حياته وفي موته، وحين يبعث يوم القيامة.
ومن الطريف أن المفسرين يوردون حواراً بين ابني الخالتين، عيسى ويحيى.
فيقول عيسى: أنت خير مني يا يحيى.
فيقول يحيى: بل أنت خير مني، أنت من الخمسة أولي العزم.
فيقول عيسى: بل أنت خير مني، فقد سلمت على نفسي، فقلت: والسلام عليّ وأنت سلم الله عليك فقال: وسلام عليه.... صلى الله عليهما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين.
1- الداعية مؤتمن:
تفيد كلمة " اذكر " ذلك الخطاب خطاب التكليف من الله - تعالى - لنبيه الكريم يأمره أن لا يغفل شيئاً مما أمره الله به، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - مؤتمن على الدعوة. وعليه أن يبلغها كاملة. فهي أمانة في عنقه. كما أن كل مسلم داعية في محيطه، كبر هذا المحيط أم صغر... وبما أنه - صلى الله عليه وسلم - مخاطب في القرآن الكريم من أوله إلى آخره فهذا دليل على أن القرآن ليس من عنده. فالإنسان لا يأمر نفسه أمام السامعين أو القارئين.. صحيح أنه يفكر أحياناً بصوت عال إلا أن كثرة الأوامر والتعليمات في القرآن تدل على أن الرسول المعلم ينفذ تعليمات خالق سيد آمر.
2 المديح: أسلوب راق يستعمله المربون:
ا للتعبير عن الرضا بما يصدر من أعمال أو أقوال تسر وتُحمد.
2 لدفع الممدوح إلى التزام ما يرفعه في أعين الناس.
3 يوحون به للآخرين أن يكونوا مثل الممدوحين في شمائلهم.
وقد مدح المولى عبده إبراهيم - عليه السلام - بصفتين لا يتصف بهما إلا من كان في القمة البشرية " كثرة الصدق والنبوة ". مع تعليل الوصول إلى هاتين المرتبتين العظيمتين. فقد كان داعية مخلصاً لدعوته لا يمالئ فيها أحداً أبداً. وهذا أبوه أقرب الناس إليه يفاتحه بها ويدعوه إليها بأكثر من طريقة تربوية رائعة.
نذكر أولاهما متسلسلة بعد أسلوب المديح:
3- التحبب: يدخلك القلب دون استئذان، ويبوئك المكانة العالية في صدور السامعين ونفوسهم. أما المتعالى فعلى العكس من ذلك ينفر الناس منه، ويجدونه ثقيلاً على قلوبهم... وكرر كلمة " يا أبت " متحبباً إلى أبيه، محاولاً دخول قلبه:
يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً؟
يا أبت: إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك، فاتبعني أهدك صراطاً سوياً.
يا أبت لا تعبد الشيطان، إن الشيطان كان للرحمن عصياً.
يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليّاً.
ولعل
4- التكرار: وهو أسلوب أصيل في التربية أفاد هنا بالإضافة إلى التحبب التأكيد والتفصيل والتنبيه غلى خطر عظيم وأمر مهم. إن الطرق يلين الحديد لكن قلب الأب الكافر أقسى من الحديد، أو قد من صخر فلم ينفع معه الاستعطاف واللطف.
5- الترتيب والتتابع في العرض: ففي الآية الأولى من كلام إبراهيم - عليه السلام -
لوم لطيف لوالده وعتاب: فكيف يعبد آلهة ضعيفة ليس لها سمع ولا بصر، ولا تنفع؟! ويقدم السمع على البصر لأنه أوسع فجعل له الأولوية، وهذا شأن القرآن الكريم في تقديم الأهم ويتجلى هذا الترتيب من حيث الأهمية في قوله - تعالى -" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث " الآية 14 من سورة آل عمران. فالمرء يبذل المال ليتزوج فينجب البنين.. فالنساء أولاً ثم إنجاب البنين، والمال في خدمتهما فهو الثالث من حيث الأهمية. وقدم من المال الذهب على الفضة، وتأتي الخيل ثالث المال والأنعام رابعها من إبل وبقر وغنم.. ثم أخيراً دور الزرع...
وبعد اللوم على الضلال يدعوه إلى اتباعه على علم: وعلى الجاهل مهما كبر أن يتبع العالم مهما صغر. فالحق أحق أن يُتبع والعلم يهدي إلى الصراط السوي - فليس سواء عالم وجهول.
ثم يأتي التحذير من الشيطان: لأنه عدو للرحمن، يحيد بمن اتبعه عن الحق ويغويه فيغضب الله - تعالى -عليه ومن عصى الله كان إلى النار نهايته.
ثم يأتي التخويف من الله الذي يعاقب بالنار الشيطان ومن تبعه، فإبراهيم - عليه السلام - يخاف على أبيه لأنه يحبه. وقد جاء في تفسير قوله - تعالى -: " ولا تخزني يوم يبعثون " في سورة الشعراء أن إبراهيم يلقى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة، فيقول: يا رب: إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون. فيقول الله - تعالى -: إني حرمت الجنة على الكافرين. وفي رواية أخرى: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجهه قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب إن وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟. فيقول الله تعال: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقول: يا إبراهيم، انظر تحت رجلك. فينظر، فإذا بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه، فيُلقى في النار. نعوذ بالله من سوء المصير...
وهذا الأسلوب التدرجي من اللوم إلى الدعوة إلى التحذير إلى التخويف أسلوب تربوي ينتقل بالمدعوّ خطوة خطوة.
6- الحلم: ولا بد للداعية أن يكون في دعوته للآخرين حليما واسع الصدر يحتوي المدعوين وإن أساءوا إليه. هذا ما نراه من سيدنا إبراهيم حين جبهه أبوه بقوله: " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ " وهدده بالرجم والطرد: " لئن لم تنته لأرجمنك، واهجرني مليا " فرد عبه بألطف كلام يدل على الحلم والروية:
" سلام عليك، سأستغفر لك ربي، إنه كان بي حفياً"
أسلوب يدل على اهتمام الداعية بدعوته ومن يدعوهم إليها وعلى اهتمام المربي ومن يربيهم. إن الإجابة بالعنف والارتجال القائم على ردة الفعل يضر ولا ينفع، فهو إن حصل لم يعد للتفاهم مكان، ولا للنصح قبول، وضيع الداعية الفرصة في اكتساب الناس.
وهذا ما فعله الصالحون في كل زمان ومكان وقالوه: " سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ". وهذه صفات عباد الرحمن الذين مدحهم الله - عز وجل -: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً "
7- والشفاعة: وهي طلب الخير للغير والوساطة لهم عند من يرجونهم. وهذا ماعناه النبي الكريم إبراهيم حين قال: " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً " إن المدعو حين يرى من الداعية اهتماماً واعتناءً يلين قلبه ثم يتقبل منه ما يقول، ثم يؤمن بما يقول، ثم يعتنق ذلك ويكون منافحاً عن هذه الدعوة " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ".. كان الصحابة متحلقين حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أقبل رجل من بعيد إلى مجلسه - صلى الله عليه وسلم -، فالتفت إليهم - صلى الله عليه وسلم -، وقال: " هذا الرجل قادم يريد مني مسألة، وإني معطيه إياها إن شاء الله، ولكن إذا سألنيها فاشفعوا له، والله يُؤجركم على شفاعتكم، وليقض الله على لسان نبيه ما يشاء ". جاء الرجل وجلس ولم ينبس ببنت شفة. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألك حاجة يا رجل؟. " قال: نعم يا رسول الله، صلى الله عليك وسلم. وذكر حاجته. فكان أصحاب رسول الله يقولون:
- هو أهلٌ لفضلك يا رسول الله.
- ما علمنا عنه إلا خيراً يا رسول الله.
أحسن إليه يا رسول الله. فما عهدناك إلا محسناً.
كان الرجل ينظر إليهم مسروراً من شفاعتهم، وقد أحبهم وشعر أنه منهم وأنهم منه.... يا لهذا المجتمع المتحاب المتكافل... وابتسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقد اكتسب إلى المسلمين واحداً آخر، وعلم أصحابه أن يناصر بعضهم بعضاً.... وقضى للرجل حاجته.
8- اعتزال الجاهلين: المسلم داعية. فكيف يدعو الناس إذا اعتزلهم؟.. إنه يعيش بينهم ليؤثر فيهم لا ليتأثر، يعيش بينهم مادة لكنه مع ربه قلباً وروحاً وفكراً. يعاملهم بالحسنى ويتحملهم، ويشاركهم حياتهم إلا أنه ينأى عن مفاسدهم وكيف يعتزلهم منقطعاً عنهم تماماً والرسول الكريم يقول: " المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم "؟! فإبراهيم - عليه السلام - قال: " واعتزلكم وما تدعون من دون الله " هو اعتزال المسلم للمنكر والجهالة، إلا أنه حاضر بينهم يعمل على هدايتهم، يقوم بخدمتهم والسهر على مصالحهم. وتنبيههم إلى الصواب وحضهم عليه
9- ثواب الصالحين: " فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق علياً " وهبه الله - تعالى - بعد العقم ولداً صالحاً وحفيداً صالحاً، وزاده نعمة أن جعلهما نبيين كريمين، وأكرمهم ببقاء ذكرهم مكرما وذريتهم على مر الدهور وكر العصور، فكل المسلمين وغيرهم من اهل الأديان يكبرونهم ويجلونهم. بل إن الله - تعالى -أخبرنا أنه أكرم الأولاد بسبب صلاح الآباء، " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك. " سورة الكهف. وقد قتل الرجل الصالح في سورة الكهف الغلام السيء وأبدله فتاة صالحة لأن الأبوين كانا صالحين. فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
| |
|