الاتباع والمزاوجة
لإبن فارس
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخُ الإمامُ أبو الحسينِ أحمدُ بنُ فارسِ بنِ زكريا: هذا كتابُ الإتباعِ والمزاوَجَةِ، وكلاهُما على وجهينِ: أحدُهما أن تكون كلمتان متواليتانِ على رويٍّ واحدٍ.
والوجْهُ الآخَرُ أن يختلفَ الرَّويّانِ، ثم تكونَ بعدَ ذلِكَ على وَجْهين: أحدهُمُا أن تكونَ الكلمةُ الثانيةُ ذات معنى معروفٍ والآخَرُ أن تكونَ الثانيةُ غَيْرَ واضحةِ المعنى، ولا بَيِّنَةِ الاشتقاقِ، إلا أنَّها كالإتباعِ لما قبْلَها.
وكذا رُويَ نّ بعضَ العَرَبِ سُئلَ عن هذا الإتباعِ فقال: هو شيءٌ نَتِدُ بهِ كلامَنَا. وقد ذكرْتُ في كتابِي هذا ما انتهى إليَّ من ذلك، وصنَفَّتُهُ على الحروفِ، ليكونَ الطَفَ، وأَقْرَبَ مأخذاً إن شاءَ اللهُ تعالى.
باب
ما جاء من الإتباع والمزاوجة على الباء
تقولُ العربُ: إنه لسَاغِبٍ لاغِبٍ. فالساغِبُ: الجائعُ، واللاغِبُ: المُعّيِي الكالُّ. وهو السُّغوبُ واللُّغوب. قال الشاعر:
.... عَرَقُ السِّقاءِ على القَعودِ الّلاغِبِ
ويقولون: رجُل حَرِيبٌ سَليِبٌ. يقال: حَرِبَ مالُه فهو حرِيب، وقَوْمٌ حَرْبَى. قالَ الأعشى:
وشيوخٍ حَرْبَى بجنْبَيْ أريكٍ ونساءٍ كأنهنَّ السَّعـالـي
قال الأصمعيّ: رجُل خَيَّاب هَيَّابٌ. قال: خيّابٌ مِنْ خَابَ. وتَيَّابٌ تَزْويجٌ، وهو يصلُحُ أنْ يكونَ إتباعاً.
ويقال: خَيَّابٌ هَيَّابٌ. فهاتانِ معروفَتَا المعنى.
ويقولون: خَبٌّ ضَبٌّ. فالضَّبُّ: البخيلُ المُمْسِكُ. والخَبُّ: من الخِبّ.
ويقولون: ضَبُّ كُدْيَةٍ، إذا وَصَفُوهُ بالضّيقِ والتَّشَدُّدِ.
ويقال: خَرَابٌ يَبَابٌ، وقد يُفْرَدُ اليَبَابُ. قال عُمَرُ بنُ أبي ربيعة:
كَسَتِ الرّياحُ جديدَها مِنْ تُرْبِها دَققَاً وأَصْبَحَتِ العِراصُ يَبَابَا
فهذا إتباعٌ؛ إلا أنّهُ أَفْرَدَهُ.
وممّا يُرادُ بهِ تأليف الكلامِ قولُهم: أَرَبَّ فلانٌ، وألَبَّ، فهو مُرِبُّ مُلِبٌّ، إذا أقامَ.
وما زال يفعلهُ مُذْ شَبَّ إلى أنْ دَبَّ. يريدون مُذْ كان شاباً إلى أنْ دَبَّ على العضا.
ويسألون المرأَةَ فيقولون: أشابَّةٌ أمْ ثابَّةٌ? كأنّ الثابّةَ خِلافُ الشابّةِ.
ومالَهُ حَلُوبَةٌ ولا رَكُوبةٌ. الحلوبةُ: ما تُحْلَبُ، والركوبةُ: ما تُرْكَبُ.
وإنّه لمجرَّبٌ مدرَّبٌ. فالدُّرْبَةُ: العادةُ.
ورجُل خائِبٌ لائِبٌ، فالخائِبُ: الذي لم يَنَلْ مُرادَهُ. واللائِبُ: الذي يَلُوبُ بالشيء يطلبُهُ كالعطشان الحائمِ.
ورجُلٌ طَبٌّ لَبُّ. فالطَّبُّ: العالِمُ الحاذقُ واللَّبُّ: من اللُّبِّ، وهو العَقْلُ.
وحكى بعضُهم: أَرِبٌ جَرِبٌ. فالأرِبُ: المتوجِّعُ من آرابِهِ وهي أعضاؤُه. والجَرِبُ من الجَّرَبِ.
ومن المزاوَجَ: ما لَهُ هارِبٌ ولا قارِبٌ، أي مالَهُ صادِرٌ عنِ الماءِ ولا وارِدٌ.
ومنه قولُهم عندَ المبايعةِ: لا شَوْبَ ولا رَوْب، ولا شَيْبَ ولا عَيْبَ.
ابنُ الأعرابي: ما عندَهُ شَوْبٌ ولا رَوْبٌ. والرَّوْبُ: اللَّبَنُ: والشَّوْبُ: العَسَلُ.
باب التاء
يقال: إنّه مُعْفِتُ مُلْفِتٌ، إذا كان يَعْفِت كُلَِّ شِيءٍ ويَلْفِتُهُ، أي يَدُقُّهُ.
وإنّه لعِفْريتٌ نِفْرِيتُ.
وربما قالوا: عِفْرِيَةٌ نِفْرِيَةٌ للداهي.
وامرأةٌ خَفُوتٌ لَفُوتٌ. الخَفُوتُ: الساكنةُ، واللفوت: التي تَلْفِتُ نفسهَا عمّا يُكْرَهُ.
وفَرَسٌ صَلَتَانٌ فَلَتَانٌ، إذا وُصِفَ بالنشاطِ وحدَّةِ الفؤادِ. أما الصَّلَتَانُ فمِنَ الصَّلْتِ والانْصِلاتِ، والفَلَتَانُ كأنّه من أَفْلَتَ.
ويقولون للأحمقِ: هَفَّاتٌ لفّاتٌ، يُوصَفُ بالخفّةِ، وربما خَفَّفُوا فقالوا: هَفَاةٌ لَفَاةٌ.
ومن المزاوَج قولُهم في جوابِ مَنْ قالَ: هاتِ لا أُهاتيكَ ولا أُواتيك. والمعنى مفهومٌ في الكلمتين.
ويقولون: لم يَبْقَ منهم ثبيتٌ ولا هبيتٌ، أي جبانٌ ولا شجاعٌ. قال طرفة:
فالهَبِيتُ لا فُؤَادَ لهُ والثَّبِيتُ ثَبْتُهُ فَهَمُهُ
قالوا: الهبيتُ: الجَبَانُ. والثبيتُ من ثَبَت.
باب الثاء
يُقال: تَرَكَتْ خيلُنا أرضَ بني فلانٍ حَوْثاً بَوْثَاً، إذا أثارتَهْا.
ويُقال: خَبيثٌ نَبيثٌ، فيجوزُ أنْ يكونَ إتباعاً، ويجوزُ أن يكونَ من يَنْبُُُ الشَّرَّ، أي يُثيرُهُ.
ويقال: عاثَ وهاثَ. ويقال: عاثَ يعِيثُ عَيْثاً.
ويقال: بَثَّ ونَثَّ.
ويقال: حَثَّ ونَثَّ.
باب الجيم
قال اللِّحياني: هو سَمِيجٌ لَمِيجٌ، وسَمِجٌ لَمِجٌ.
ويقولون: لَبَنٌ سَمْهَجٌ لَمْهَجٌ إذا كان حُلْواً دَسِماً.
الِّلحياني: ما عِنْدَهُ على أَصحابِهِ تَعْرِيجٌ ولا تَعْويجٌ، أي إقامةٌ.
ويقال: ما لي فيه حَوْجاءُ ولا لَوْجاءُ، وما لي فيه حُوَيْجاءُ ولا لُوَيْجاءُ.
ويقال: ما ثَمَّ مَلْجأٌ ولا مَحْجَا.
ورِجُلٌ خَرَّاجَةٌ ولاَّجَةٌ.
ورَجَعَ إلى حِنْجِهِ وبِنْجِهِ، أي أَصْلِهِ.
ويقولون للصبيّ في الترقيص: حَدَارِجُ نَدَارِجُ.
ابنُ السكِّيتِ: ماذاقَ شَمَاجاً ولا لَمَاجاً، ومالَمَجُوهُ بشيءٍ، وما تَلَمَّجَ عنْدنَا بِلَمَاجٍ.
الأصمعي: فَرَسٌ غَوْجٌ مَوْجٌ. الغَوْجُ: الواسعُ لخَطْوِ. والمَوْجُ، كأنّه يَموجُ.
ويقال: لا تَذْهَبَنَّ بكَ حَجْحَجَةُ ولا لَجْلَجَةٌ، أيْ لا تَشُكَّ فيه ولا تُخَلِّطُ.
باب الحاء
يونس: إنه شَقِيحٌ لَقِيحٌ، وشَقْحاً له ولَقْحاً. ولأشْقَحَنَّكَ شَقْحَ الجَوْزِ بالجَنْدَلِ، أي لأَكْسِرنَكَّ.
ويقولون: هو مَلِيحٌ قَزِيحٌ. وهذا إتباعُ، وقد يكون من أقْزاحِ القِدْرِ، وهي الأَفحاءُ.
ويقولون: شَحِيحُ نَحِيحٌ، وأَنِيحٌ أيضاً، من أَنَحَ، إذا زَفَرَ عندَ السؤالِ.
الأصمعي: هو قَبِيحٌ شَقِيحٌ، وقَبَّحَهُ اللهُ وشَقَّحَهُ. قال الراجز:
أَقْبِحْ به من ولَدٍ وأَشْقِـحِ مِثْلَ جُرَيِّ الكَلْبِ لم يُفَقَّحِ
الأصمعي: قالت امرأةٌ من العرب: إني لأبغضُ من الرجالِ الأمْلَحَ الأَقْلَحَ؛ المُلْحَةُ: بياضُ الشيبِ، والقَلْحُ: صُفْرَةُ الأسنانِ.
ويقولون: ما لَهُ ساحَةٌ، ولا رَاحَةُ.
ولا رائِحَةٌ، ولا سارِحَةٌ. السارِحَةُ: التي تَطْلُبُ بها المرعى، فحيثُما أَمْسَت باتَتْ. الرائحةُ: التي تُصْرَفُ إلى أهلِها كلَّ عَشِيَّةٍ.
ومن المزاوَجِ قولُهم: نعوذُ باللهِ من التَّرحِ بعد الفَرَحِ. التَّرَحُ: التًّنْغيصُ.
قال ابنُ مُقْبِلٍ:
إذا مُتُّ فانْعيني بما أنا أَهْلُـهُ وذُمّي الحياةَ، كُلُّ عَيْشٍ مُتَرَّحُ
ويقولونَ: لا أَفْلَحَ، ولا أنْجَحَ. أن يَبْلُغَ ما طَلَبَ. والفَلاَحُ: البقاءُ. قال لبيدٌ:
لو كانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الفَلاَحِ أَدْرَكَهُ مُلاعِبُ الرِّمـاحِ
وقال عديُّ بنُ زيدٍ العبادي: ثمَّ بَعْدَ الفَلاَحِ والمُلْكِ وإلامَّ-ةِ وارتّهُمُ هُناكَ القبور ويقال للأَمْرِ البَيِّنِ: إنّه لموضَحٌ موجَجُ. كذا رأيتُهُ. والوِجاجُ: السِّتْرُ، فلا أدري لأيّ معنىً قُرِنَ بهِ.
ويقولون: هو طَريحٌ طَلِيحٌ، فهذا من: طَلَحَهُ السَّفَرْ، إذا أذابَهُ وَنَهَكَهُ.
وإنَّهُ لفاضحٌ ماضِحُ، أي عائِبٌ، ويقال: ماصع بالصَّادِ، مِنْ مَصَحَ، إذا ذَهَبَ.
ويقولون: لم يَبْقَ منهم صالحٌ، ولا طالِحٌ. الطَّالحُ: الشارِدُ.
ومن الأسجاع، وليس من هذا البابِ قولُ بائِعِ الدابّةِ: برِئْتُ إليكَ مِنَ الجِماحِ والرِّماحِ.
ويقولون: جاءَ بالضِّيحِ والرِّيحِ. الضِّيحُ: ضَوْءُ الشَّمْس. والرِّيحُ معروفةٌ؛ أي جاءَ بما طَلَعَتْ عليهِ الشمس وما جدى عليه الرِّيحُ. وأنشد:
والـريحُ، لـلـهِ ومـــا فـــي الـــرِّيحِ والشَّمْسُ في اللُّجةِ ذاتِ الضِّيحِ أي ذاتِ الضَّوْءِ.
قال يونُسُ: شَقِيحٌ نَبِيحٌ.
أبو الجَرَّاحِ: تركْتُ فلاناً سادِحاً رادِحاً. وسَدَحَتْ فلانة ورَدَحَتْ، إذا أَخْصَبَتْ، وحَسُنَتْ حالُها.
وهو ابنُ عمِّهِ لَحَّاً قَحّاً.
باب الخاء
اللِّحْياني: سَليخٌ مَليخٌ، للَّذي لا طَعْمَ لَهُ. وأنشدَ:
سَليخٌ مَلِيخٌ كَلَـحْـمِ الـحُـوَا رِ، فلا أَنْتَ حُلْوٌ ولا أَنْتَ مُرُ
ومِنْ أسجاعِهِمْ قولُهم: مَنْ شاخَ بَاخَ.
بابُ الدَّال
الَّلحياني: هو وَحِيدٌ قَحِيدٌ.
ويقولون: هوَ لَكَ أَبداً سَمْداً أي سَرْمَداً وحُكِيَ: هو شَدِيدٌ أَدِيْدٌ، وهو من الأَمْرِ الإِدِّ.
ويقال: نَكْداً لَهُ وجَحْداً لَهُ.
الأَصمعي: رجُلٌ كادٌّ لادٌّ
ويقولون: جاءَ مُسْتَمْغِداً مُسْتَمِيْداً، أي غَضْبانَ قد تَوَرَّمَ وَجْهُهُ من الغَضَبِ.
ويقولون: ما عنده نَدَى ولا سَدَى. النَدى: ما كانَ من السماءِ بالنَّهارِ.
والسَّدَى ما كَانَ بالليلِ. وأَنْشَدَ:
كأَنَّهُ أَسْعَفُ ذو جُدَّةٍ يَمْسُدُهُ بلَيْلٍ سَـدِي
ويقولون: هو سَيِّدٌ أيِّدُ. وإنه لأيِّدُ الغَدَاءِ، إذا كان حاضرِ الغَدَاءِ، ويكونُ من الأَيْدِ أيضاً، وهي القُوَّةُ.
ويقال: ما لُهُ عن ذاك مُحْتَدٌ، ولا مُلْتَدُ، أي ما لَهُ عنه مَذْهَبٌ.
ويقال: ما له سَبَد ولا لَبَدٌ. السَّبَدُ: الشَّعَرُ والوَبَرُ، والَّلبَدُ: الصُّوفُ.
ويقولون: لا يُجْدِي ولا يُمْدِي. يُجْدِي من الجَدْوَى ويُمْدِي: يَبْلُغ المَدَى.
قال ابنُ ميّادَةَ:
بَيْتٌ بَنَاهُ الحارِثـانِ لـنَـا إذْ أَنْتَ لا تُجْدِي ولا تُمْدِي
ويقال: عَرَفَ ذاك البادِي والقادي. القادي: الآتي. يقال: قَدَتْ علنيا قادِيةٌ مِنَ الناسِ، أَيْ أَتَت.
ويقال: هو جَلْدٌ نَجْدٌ، أي عَوْنُ.
وشَيْءٌ خالِدٌ تالِدٌ، ويجوزُ بالِدٌ بالباء: مقيمٌ بالبَلَدِ.
أبو عبيدةَ: هو سَهْدٌ مَهْدٌ، أي حَسَنٌ.
ويقال: بَقْلٌ ثَعْدٌ مَعْدٌ، إذا كان غَضّاَ. مَعْدٌ إتباعٌ.
باب الذال
يقال: بَذَّ وفَذَّ، إذا تَبَرَّزَ.
يقال: شَيْءٌ فَدٌّ وشَذٌّ، وشَيْءٌ فَذٌّ: شَاذٌّ، أي منقطعٌ عن أمثالِهِ، خارجٌ منْهُ.
وفَذَّةٌ: شاذَّةٌ: شاذَّةٌ، إذا كانتْ مَبْتُورَةً.