[color=green]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين محمد
صِفَةُ الكلام للهِ تعالى
يقول النبي في الحديث الذي رواه البخاري ( ما منكم من أحد إلا وسيكلِّمهُ ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب يحجبه ) فكل الإنس والجن يوم الحساب يسمعون كلام الله الأزلي الذي ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغةً , إذ لو كان كلامه تعالى بلغةٍ وصوت لكان يشبه خلقه في بعض الصفات وهذا محال
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي هو من أئمة السلف ( من وصف الله بمعنىً من معاني البشر فقد كفر ) والله تعالى هو الذي خلق الأصوات والحروف وهو مُتكلِّمٌ قبل خلق الأصوات والحروف واللغات لأن صفات الله تعالى أزليّة كما أن ذاته أزلي لأن من كانت صفاته حادثة فذاته لا بُدَّ أن يكون حادثاً .
وقد قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط ( فصفاتهُ تعالى غيرُ مخلوقةٍ ولا مُحدَثة , والتَّغَيُّرُ والاختلاف في الأحوال يحدثُ في المخلوقين ومن قال أنها مُحدَثة أو مخلوقة أو توقَّفَ أو شكَّ فيها فهو كافر )
ولو كان كلام الله بحروفٍ وأصوات لَأخذ حساب الْخَلْقِ زمناً طويلاً وهذا ضِدُّ قوله تعالى{ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }الأنعام62
فلا يتحقّق معنى أسرع الحاسبين إلا على مذهب أهل السنة وهو أن الله متكلِّمٌ بكلامٍ أزليٍّ بغير حرفٍ ولا صوت وذلك لأن
عدد الجنِّ والإنس كثيرٌ جداً لا يحصيهم إلا الله ,
ومن الجن من يعيش آلافاً من السنين
ومن الإنس من عاش ألفي سنة كذو القرنين عاش ألفي سنة ومنهم من عاش أكثر ,
ومن الإنس أيضا يأجوج ومأجوج وكما ورد في الحديث أنهم من ولد آدم عليه السلام وورد أنهم أكثر أهل النار كما روى البخاري وورد انه لا يموت احدهم حتى يرى ألفاً من صُلبه كما ذكر ابن حبان والنسائي
وكل هؤلاء سوف يحاسبهم الله كذلك على أقوالهم مع كثرتهم ويكلِّمُ كل فردٍ منهم تكليماً بلا ترجمان ويحاسبهم على عقائدهم ونواياهم وأفعالهم ,
وهو سبحانه يحاسب الخلق يوم القيامة في ساعةٍ واحدة ٍ أي في وقتٍ قصيرٍ جداً وليس المراد الساعة الزمنية المعتادة عند الناس ,
وهذا الوقت هو بالنسبة للخلق أما الله تعالى فلا يجري عليه زمان , فلو كان كلام الله بالصوت والحرف لأخذ حسابُ الله زماناً طويلا
وهذا ضِدّ قولهِ تعالى{ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }. إذن فهو متكلِّمٌ بكلامٍ لا يشبه كلامنا
قال الإمام أبو علي الحسن بن عطاء ( الحروفُ مسْبوقٌ بعضها ببعض والمسبوقُ لا يتقرَّرُ في العُقولِ أنه قديم ,
لأن القديم لا ابتداءِ لوجودهِ , وما من حرفٍ وصوتٍ إلا وله ابتداء , وصِفاتُ الباري جل جلاله كلها قديمة لا ابتداء لوجودها ,
ومن تكلَّمَ بالحروف ترتَّبَ كلامه ومَنْ ترَتَّبَ كلامُهُ شَغَلَهُ كلامٌ عن كلام, والله تبارك وتعالى لا يشغله كلامٌ عن كلام )
فائدة : سيدنا موسى عليه السلام لَمّا صَعِدَ الجبل كشفَ اللهُ عن أُذْنِهِ الحِجابَ فسمع موسى كلام الله الذي ليس بِحرفٍ ولا صوتٍ ولا يوصَفُ بالابتِداءِ ولا بالانتِهاء دون أن يَحِلَّ كلام الله في أُذن موسى , فالذي ابتدأ هو سَمَعُ موسى لكلام الله وليس كلام الله هو الذي ابتدأ , ثم لَمّا رجع الحجاب على سمع موسى ما عاد موسى يسمع كلام الله , فالذي انتهى هو سمع موسى لكلام الله وليس كلام الله الذي انتهى
ومن الأدلَّةِ على أن كلام الله ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغةً أن سيدنا موسى لَمّا سمع كلام الله عرف أنهُ كلام الله لأنه سمع كلاماً ليس من جنس الأصوات والحروف ,
ما قال لعلَّهُ شيطان أو غير ذلك .
وهذا الكلام لا يُعارض أن القرآن هو كلام الله مع أن هذه القراءة التي نقرؤها هي بحرف وصوت ولغة لأن القرآن له إطلاقان أي معنيان : الأول: إطلاقه على الكلام الذاتي الأزلي الذي هو ليس بحرف ولا صوت ولا لغة عربية ولا غيرها ,
والثاني : إطلاقه على اللفظ المنزَّل الذي يقرؤه المؤمنون
فالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب الله إن قُصِدَ بها الكلام الذاتي فهي أزلية ليست بحرف ولا صوت
وإن قُصِدَ بها اللفظ المنزَّل الذي بعضه بلغة العرب وبعضه بالعبرانية وبعضه بالسريانية فهو حادث مخلوق لله ولكنها ليست من تأليف الأنبياء ولا جبريل إنما مكتوبة في اللوح المحفوظ ,
أمر الله جبريل أن يأخذها وينزلها على أولئك الأنبياء الأربعة , وهكذا في القرآن أمر الله جبريل أن ينزله أي أن ينزل هذا اللفظ المكتوب في اللوح المحفوظ إلى بيت العِزَّة وهو بيت في السماء الدنيافأنزله جبريل بأمرٍ من ربه في ليلة القدر كما قال ربنا{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }القدر1
ثم صار جبريل عليه السلام يُنْزِلُهُ على رسول الله شيئاً فشيئاً على حسَبِ ما يؤمَرُ به من الله عز وجل على حسب الأسباب والحوادث .
ثم الرسول قرأهُ على الصحابة , جبريل قرأ القرآن على الرسول (أسمعهُ ) , الرسول تلقّاه من جبريل بالحرف والصوت ثم الصحابة تلَقَّوه من الرسول
أما يوم القيامة يسمعُ كلُّ واحدٍ كلام الله الذي ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لُغَةً ويفهمون عن أي شيءٍ يسألهم وماذا يقول لهم , فالمؤمنون يفرحون عند ذلك أما الكفار فلا
وتقريبُ ما ذكرناهُ : أن لفظ الجلالة (الله) عِبارةٌ عن الذّات المُقدّس الذي نعبُدُهُ ( الله جل جلاله ) فإذا كُتِبَ هذا اللفظ فقيلَ ما هذا يُقال الله بمعنى أن هذه الحروف تدُلُّ على الذات الأزلي الأبدي لا بمعنى أن هذه الحروف هي الذات الذي نعبده , بل الحروف المخلوقة دَلَّت على الله الذي ليس هو بمخلوق , وهذا اللفظ المنزل الذي يقرؤه المؤمنون هو عبارة عن كلام الله الذي ليس حرفاً ولا صوتاً .
والدّليل على أن القرآن يُطلَقُ ويُرادُ به اللفظ المنزل قول الله تعالى{ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ }الفتح15 أي الكفار يريدون تبديل اللفظ المنزل وليس الصفة الذاتية ,
وكذلك قوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }القيامة18 أي إذا قرأهُ جبريل بأمرنا فاتبع قرآنه أي قراءته ولا تَصِح أن تكون قراءة جبريل هي صفة الله . وكذلك قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ }التوبة6
وقد قال الإمام أبو حنيفة النعمان عن الله (ويتكَلَّمُ لا ككَلامِنا نحنُ نتَكَلَّمُ بِالآلاتِ مِن المخارِجِ والحُروفِ واللهُ مُتَكَلِّمٌ بِلا آلَةٍ ولا حَرْف)
وأبو حنيفة رضي الله عنه الذي قال(إعلَمْ يرحَمُكَ الله أن اللهَ موجودٌ بِلا مكان)تلقّى عِلْمَهُ عن سِتَّةٍ مِن الصّحابةِ منهم أنس بن مالك أي تلقّى هذا العِلمَ مِمَّن تَلَقَّوا العِلمَ مباشَرَةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[/color]