هذه الأبيات التي أذكرها هي لصحابي اسمه أمية بن الأشكر من بني ليث كان له ابن يسمى كلابا فاكتتب في الجند الغازي مع أبي موسى الأشعري في خلافة عمر رضي الله عنه فاشتاقه أبوه وكان قد كف بصره فأخذ قائده بيده وأدخله على عمر وهو في المسجد فأنشده :
أعاذل قد عذلت بغير قدر*****وماتدرين عاذل ما ألاقي
فإما كنت عاذلتي فردي *****كلابا إذ توجه للعراق
فتى الفتيان في عسر ويسر****شديد الركن في يوم التلاقي
فلا وأبيك ما باليت وجدي****ولا شغفي عليك ولا اشتياقي
وإيقادي عليك إذا شتونا*****وضمك تحت نحري واعتناقي
فلو فلق الفؤاد شديد وجد****لهم سواد قلبي بانفلاق
سأستعدي على الفاروق ربا****له عمد الحجيج إلى دفاق
إن الفاروق لم يردد كلابا*****على شيخين هامهما زواق
فبكى عمر رضي الله عنه وكتب إلى أبي موسى الأشعري برد كلاب إلى المدينة فلما قدم ودخل قال له عمر ما بلغ من برك بأبيك ؟ قال كنت أوثره وأكفيه أمره وكنت إذا أردت أن أحلب له لبنا أجيئ إلى أغزر ناقة في إبله فأريحها وأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحلب له فأسقيه فبعث عمر رضي الله عنه إلى أمية فجاءه فدخل عليه وهو يتهادى وقد انحنى فقال كيف أنت يا أبا كلاب ؟ قال كما ترى يا أمير المؤمنبن فقال هل لك من حاجة ؟ قال نعم كنت أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت فبكى عمر رضي الله عنه وقال ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله تعالى ثم أمر كلابا أن يحلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه وناوله عمر رضي الله عنه الإناء وقال اشرب هذا يا أبا كلاب فأخذه فلما أدناه من فيه قال والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب فبكى عمر رضي الله عنه وقال هذا كلاب عندك وقد جئناك به فوثب إلى ابنه وضمه وجعل عمر رضي الله عنه والحاضرون يبكون وقالوا لكلاب الزم أبويك فلم يزل مقيما عندهما إلى أن ماتا .
وفي بعض الروايات زيادة أبيات أخرى وهي :
لمن شيخان قد نشدا كلابا ********كتاب الله لو ذكر الكتابا
أناشده ويعرض لي إباء *********فلا وأبي كلاب ما أصابا
أذا هتفت حمامة بطن وج********على بيضاتها ذكرا كلابا
أتاه مهاجران تكفناه ***********بترك كبيرة خطأ وخابا
تركت أباك مرعشة ياه**********وأمك ما تسيغ لها شرابا
تمسح مهده شفقا عليه*********وتجنبه أباعرنا الصعابا
فإنك وابتغاء الأجر بعدي *******كباغي الماء يتبع السرابا
ولمن أراد الاطلاع على القصة بشكل أوسع أن يراجع الكتب التالية الإصابة في تمييز الصحابة والمعمرين ونكت الهميان في أخبار العميان نسأل الله أن يجعلنا من الأبرار وأيكرمنا بحسن الختام ويدخلنا الفردوس بفضله إنه نعم المولى ونعم النصير