بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على من لا نبي بعده وبعد
إن أهم ما يشتغل به الإنسان من كتب الحديث هو كتب الحديث الصحيح ولهذه الكتب ميزات وضوابط بينها العلماء في كتب المصطلح والغرض هنا بيان بعض هذه الكتب وبيان تراتبها وبيان شروط بعض منها
فأقول أولا : أعلى الصحيح ما اتفق عليه البخاري ومسلم أي وجد في كتابيهما ثم ما كان في أحدهما دون الآخر ثم ما كان على شرطهما معا ثم ما كان على شرط واحد منهما دون الآخر ثم ما كان على شرط غيرهما قال في طلعة الأنوار :
أعلى الصحيح ما عليه اتفقا **** فما روى الجعفي فردا ينتقى
فمسلم كذاك في الشرط عرف****فما لشرط غير ذين يكتنف
وشرط البخاري ومسلم هو كون رجال الحديث الذي على شرطهما موجودون في البخاري ومسلم في سند حديث آخر قال الحافظ السيوطي في الفية الحديث :
وشرط ذين كون ذا الإسناد ****لديهما بالجمع والإفراد
أما شرط غيرهما فيختلف فكل واحد وضع شرطا لكتابه فمنهم من وفى بشرطه كابن حبان ومنهم من لم يف بشرطه كالحاكم في المستدرك .
وطريق معرفة الحديث الصحيح هي أن ينص أحد الحفاظ على كونه صحيحا أو يوجد في كتاب خصص للصحيح كالصحيحين ونحوهما قال السيوطي في ألفيته في الحديث :
وخذه حيث حافظ عليه نص**** ومن مصنف بجمعه يخص
كابن خزيمة ويتلو مسلمــا ****وأوله البستي ثم الحاكما
وكم به تســـاهل حتى ورد**** فيه مناكير وموضوع يرد
وابن الصلاح قال ما تفردا ****فحسن إلا لضعف فارددا
جريا على امتناع أن يصححا ***في عصرنا كما إليه جنحا
وغـــيره جوزه وهو الأبــر *** فاحكم هنا بما له أدى النظر
ما ساهل البستي في كتــــابه ***بل شرطه خف وقد وفى به
ومن الكتب التي تختص بالصحيح أيضا كتب المستخرجات على الصحيحين وهي أن يأتي الحافظ إلى كتاب من كتب الحديث فيروي جميع أحاديثه من غير طريق صاحب الكتاب موافقا له في شيخه فصاعدا وقد يضيق عليه مخرج الحديث فلا يجده إلا من طريق صاحب الكتاب فيخرجه عنه وعندها يكون هذا الحديث ليس من المستخرج بل من الكتاب المذكور لأن شرط المستخرج أن يكون من غير طريق صاحب الكتاب المستخرج عليه وأمثلتها كثيرة فقد استخرجوا على البخاري كالا سماعليلي له مستخرج على البخاري وأبي عوانة على مسلم واستخرج أبونعيم على البخاري وعلى مسلم والحديث المروي في المستخرج ربما كان يختلف معنى مع المروي في الكتاب المستخرج عليه وربما اختلف لفظا لذلك خطأ العلماء من عزا للصحيحين أحاديث وردت في المستخرجات عليهما باختلاف بعض الألفاظ وإن كان القصد أن أصله في الصحيحين وللمستخرجات فوائد كثيرة منها صحة ما زادوه علي الأصل ومنها العلو في السند ومنها كثرة الطرق ليلجأ إليها عند الترجيح ومنها تبيين بعض الرواة المبهمين في الصحيحين أو المهملين فيهما ومنها تبيين سماع المدلس المعنعن في الصحيحين ومنها تبيين وقت تحديث المختلط الذي رويا عنه فيعلم أنه حدث به قبل اختلاطه ومنها وهي كالشاملة للفوائد المتقدمة أنه كل ما في الصحيحين من أحاديث معلولة سلمت المستخرجات من تلك العلل قال السيوطي :
واستخرجوا على الصحيحين بأن ****يروي أحاديث كتاب حيث عن
لا من طريق من إليــــــــه عمدا ****مجتمعا في شيخه فصـــــاعدا
فربما تفاوتت معنى وفـــــــــي **** لفظ كثيرا فاجتنب أن تضف
إليهمـــــــــا ومن عزا أرادا **** بذلك الأصـــــــــل وما أجادا
واحكم بصحة لما يزيــــــــــد ****فهو مع العلــــو ذا يفــــــــــيد
وكثرة الطرق وتبيين الــــذي ****أبهم أو أهمل أو سمــــاع ذي
تدليس أو مختلط وكلمـــــــا **** أعل في الصحيح منه سلما
تنبيهات :
الأول أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما لا يعزى لغيرهما إلا بالتبعية لهما قال العلامة حسن محمد المشاط :
قــــاعدة أسسهـــــــــــا الأعلام ****ومن حذا خلافهــــــا يـلام
إذا الحديث في الصحيحين ورد ****أو كان في أحد ذين قد وجد
فعزوه لمـــا سواهمـــــــا غلط **** إلا إذا بعزو ذين يرتبط
الثاني :
ليس الصحيح مقتصراعلى الكتب المؤلفة في الصحيح بل كل حديث توفرت فيه الشروط فهو من الصحيح وإن لم يكن الكتاب المذكور ممن يختص بالصحيح وقد اختلف العلماء هل يمكن أن يصحح الحافظ المتأخر أم يكتفي بتصحيح المتقدمين ويتوقف فيما لم يصححوه قال ابن الصلاح إنه لا يمكن التصحيح في العصور المتأخرة كعصره وقال النووي إن ذلك ممكن وقول النووي هو الذي اعتمده الحفاظ قال العراقي مشيرا إلى قول ابن الصلاح والنووي في التصحيح :
وعنده التصحيح ليس يمكن ****في عصرنا وقال يحيى ممكن
الضمير في عنده يعود لابن الصلاح ويحيى هو النووي .
الثالث : كتاب المستدرك فيه الضعيف كثير وفيه بعض من الأحاديث الموضعة وقد قيض الله له الذهبي فنقحه وبين الصحيح من السقيم واستخرج منه نحو مائة حديث موضوع وكتاب الذهبي سماه تلخيص المستدرك وهو مطبوع معه في أكثر الطبعات والحاكم شرطه أن يخرج كل حديث رواته على شرط الشيخين ولكنه لم يف به فروى عن رجال ليسوا في الصحيحين
وأما أبو حاتم البستي فشرطه في كتابه أن يروي عن ثقة غير مدلس سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه ولا يكون هناك انقطاع ولا إرسال وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأته بحديث منكر فهو عنده ثقة .
أما ابن خزيمة فهو أشدهما تحريا في الحديث فهو يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ولكن وللأسف صحيح ابن خزيمة لم يصل إلينا منه إلا من أوله إلى كتاب الحج والباقي مفقود فيما فقد من تراثنا الإسلامي فإنا لله وإنا إليه راجعون
وهذه الكتب كما قال السيوطي في الترتيب كالتالي : البخاري ثم مسلم ثم ابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم
والله أعلم بالصواب